كتبت-شاديه عبدالله
رحل عن عالمنا أمس الروائي والكاتب المسرحي الكبير محمد أبو العلا السلاموني، بعد تاريخ إبداعي حافل أثرى به المسرح المصري، وكان بحق أحد أعمدته تأليفا وكتابة وإدارة، وكانت قضايا المسرح هي شاغله الأكبر حتى لفظ آخر أنفاسه.
وكانت الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة المخرج هشام عطوة، قد أصدرت منذ أسابيع قليلة، ضمن مشروع النشر، أحدث أعمال الراحل الكبير كتابه المعنون "بيان للمسرح الشعبي.. نحو تأسيس نظرية للمسرح الشعبي".
يضم الكتاب سبعة بيانات للمسرح الشعبي وورقة مقترحة لإقامة الملتقى العربي لفنون المسرح الشعبي، وفصلا عنونه الراحل "تجربتي في المسرح الشعبي.. كشف أثري"، ومعضلة بنية الثقافة العربية بين فنون القول واللغة، وفنون العرض والفرجة، بالإضافة إلى مقالات لبعض النقاد.
في مقدمة الكتاب يقول "السلاموني": "الدفاع عن قضية الهوية الشعبية للمسرح المصري كانت بمثابة الشرارة التي أشعلت الأتون الذي كنت أختزله في داخل كتاباتي على مدار حياتي الإبداعية والتي تتمحور حول قضايا المسرح الشعبي وتساؤلاتي الدائمة عن لغز اختفاء فن المسرح الدرامي والرسمي من تاريخ حضارتنا العربية الإسلامية، التي تطرقت إليها في بعض مقالاتي المتناثرة وقد حاولت جمعها ونشرها في كتاب "اجتهادات مصرية في البنية المسرحية" الذي أصدره المركز القومي للمسرح سنة 2016، وكتاب "تجربة الكاتب المسرحي" الذي أصدرته الهيئة العامة لقصور الثقافة سنة 2018، وفيهما توصلت إلى إجابات عن هذه التساؤلات الفلسفية أزعم أنها أقرب إلى الحقيقة الموضوعية وأكثر صدقا من الاجتهادات التي قدمها البعض من قبل، وهذه الإجابة أوضحتها بالتفصيل في سبعة بيانات للمسرح الشعبي ستأتي لاحقا، وتتلخص في أن النخبة الثقافية القديمة كانت سببا رئيسا في تجاهل وطمس وإخفاء وإنكار فنون المسرح الدرامي التي لم تجد لها وسيلة للدفاع عن نفسها سوى أن تنزوي وتعمل في الظل فيما عرف بفنون (العرض والفرجة) وسط الطبقات الشعبية بعيدا عن سطوة الثقافة الرسمية التي تعتمد على فنون (القول واللغة) وكراهية فنون العرض والفرجة والاستعلاء عليها".
يستكمل صاحب "مآذن المحروسة" بقوله: "ترتبت على هذا عدة نتائج خطيرة حاولت أن أوضحها في البيانات السبعة للمسرح الشعبي أخطرها نتيجتان لابد أن أشير إليهما للتوكيد والتحذير:
النتيجة الأولى: أن المؤرخين القدامي أثبتوا وجود المسرح عند الفراعنة وأكدته البرديات والنقوش الأثرية خصوصا لوحة إدفو التي أوضحت وجود المسرح الشعبي الجوال والمرتجل الذي يمارس لعبة المحاكاة في الشوارع والقرى، وليس المسرح الطقسي أو الديني الذي يمارسه الكهنة داخل المعابد كما هو شائع عن قصة إيزيس وأوزوريس؛ وهذا يعني وجود المسرح الشعبي عندنا، وأن لنا الريادة المسرحية منذ فجر التاريخ.
النتيجة الثانية: تتمثل في الكارثة الإرهابية التي نعيشها الآن، بل يعيشها العالم معنا، وأرى أن الجماعات الإرهابية التي نشأت منذ الفتنة الكبرى في القرن الهجري الأول واستمرت حتى يومنا هذا لها علاقة على نحو ما بكارثة اختفاء ظاهرة المسرح الدرامي في تاريخنا الثقافي الرسمي، ذلك أن هذا الاختفاء نتيجة اختطاف هذه الجماعات لفكرة المحاكاة التي تعتبر جوهر فنون المسرح والتي رفضتها النخبة عندنا استعلاء عليها، واستخدمتها هذه الجماعات بوعي أو بدون ووظفتها لصالح أفكارها في محاكاة الحكم الديني القديم باسم الله، حيث يعرضون على مسرح التاريخ ما يسمى بالخلافة الافتراضية، يكون مسرحها الفضاء الإلكتروني محاكاة للخلافة القديمة، وهكذا يصبح العالم بمثابة مسرح كوني واسع يقوم فيه المتطرفون بأداء أدوارهم مستعيرين الأسماء والأزياء والشعارات القتالية العتيقة كي يمثلوا على مسرح التاريخ في هذا الرداء التنكري الذي اكتسى بجلال القدم".
ويختتم "السلاموني" بقوله: "هاتان النتيجتان هما أخطر ما وضحته هذه البيانات السبعة، أرجو أن أكون قد وفقت فيما قدمت فيها من اجتهاد.. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ألحقت في نهاية هذه البيانات السبعة مقالين آخرين وهما اجتهادان يوجد فيهما صدى أكبر للبيانات السبعة إلا أنهما يبلوران خلاصة تجربتي المسرحية والفلسفية فيما كتبت من إبداعات وفكر وآراء لا أرجو منها إلا وجه الحقيقة".