بقلم د - دينا أنور
اكتشفت مؤخراً أن كثيراً من الناس عاجزون عن توفير السعادة لأنفسهم بسبب انشغالهم الشديد بكراهية الغير .. و انغماسهم المفرط في المقارنة بالغير و الحط من شأن الآخرين .. و متعتهم العجيبة في معرفة الفضائح و تتبع ماضي الآخرين و كشف أسرار البيوت و النفوس .. و الكارثة الكبرى شعورهم بالمواساة عند سماع أخبار خراب البيوت أو تدمير العلاقات الانسانية أو فشل الغير أو إحباطه و يأسه أو فقره ..!!!
مهما تظاهروا بروحانيتهم و نقائهم و ممارساتهم المنتظمة لليوجا و ال meditation .. مهما تكلموا و كتبوا عن رحلات استشفائهم و تطهيرهم الذاتية و نشروا صوراً عن الطاقة الكونية و تكلموا عن قانون الجذب .. مجرد كلمة عابرة يقولونها أو تعليق يكتبونه في صفحة عامة أراه بالصدفة البحتة .. أو حتى رد في حديث عابر معهم يظهر الحقيقة على الفور .. و يتضح لي كم يعانون من الضيق و الحقد و الغل و التشفِّي في مصائب الآخرين و الرغبة في التنمر و المعايرة لأن ممارسة تلك السلوكيات العدائية و العدوانية يشعرهم داخلياً بالمواساة و أنهم ليسوا الفاشلين وحدهم أو التعساء الوحيدين على الأرض ..
في الحقيقة أنني لست ملاكاً .. أنا أيضاً أحب بعنف و أكره بشدّة .. و لدي أشخاص محببون و آخرون أبغضهم .. و لكنني لم أضبط نفسي أبداً متلبسةً بالتفنن في كراهية أحد .. ليست مثاليةً مني .. و لكن لأنني فعلاً مشغولةً جداً بحب نفسي و أحبابي .. و تعويض نفسي عما قاسته و تعويض أحبابي عما قاسوه معي أو بسببي أو لأجلي ..
لا وقت لدي على الإطلاق لكراهية الآخرين .. وقتي و عمري أعتبرهم كنزاً يتناقص كل يوم و لا أرغب في نفاذه إلا و أنا أعافر و أكابر لأخلق السعادة خلقاً ..
مهما عاندتني الدنيا .. مهما خُذلت و تألمت و عانيت .. يقيني الداخلي أنني انسانة جميلة جداً و نقية جداً و استحق الأفضل في كل شيئ مهما تعثّرت أو عانيت من سوء الحظ أو الفشل في الاختيار أو قلة التقدير ..
يظل شعوري الداخلي أنني انسانة رائعة جداً يطمئنني و يحفزني لكي استمر و استمر .. حتى أجد فرصاً أفضل و أشخاصاً أجدر و حظاً أوفر .. لأنني حقاً انسانة رائعة استحق حياةً رائعة و أشخاصاً رائعين من حولي ..
لذلك لا أتابع أي صفحاتٍ عامة و لا شعبية .. و لا اشترك في اي مجموعات و لا جروبات .. و لا اقرأ أي تعليقات على أي خبر حتى لو كان عني شخصياً .. و كل من يكتب على صفحاتي كلاماً لا يعجبني أطرده فوراً دون مشقة النقاش أو الرد .. و رغم ذلك يلاحقني دائماً هؤلاء المتبرعون بالكراهية .. و دائماً ما أشفق عليهم و اتساءل في قرارة نفسي لماذا يتبرعون بالكراهية لي بدلاً من أن ينشغلوا بحب أنفسهم ؟
تعلمت أيضاً أن أحذر من حاملي و ناشري الكراهية بوجهٍ عام حتى لو لم تكن كراهيتهم هذه موجهة لي .. كذلك المتنمرين بوجهٍ عام حتى و إن كانوا يتملقونني أنا .. و لهذه الأسباب حذفت الكثيرين من الأصدقاء و الصديقات .. و توقفت عن التعامل مع آخرين .. و تراجعت ثلاث أو خمس خطوات في علاقاتي الوطيدة مع البعض .. لأن ترمومتري النفسي أعطاني قراءةً غير مريحة تجاه كلمةٍ ما أو تعليقٍ ما ليس موجهاً لي على الإطلاق .. و لكنني إن تغاضيت و غضضت البصر سأكون يوماً ما أنا المستهدفة .. و أنا لا أملك رفاهية إفساد قلبي النظيف و لا تلويثه بعد هذه الرحلة الشاقة التي لفظت فيها كل مسببات الحزن لقلبي .. فابتعد في هدوء و لا أراقب و لا أهتم بما سيحدث بعد رحيلي ..
الحقيقة أن عوالم السوشيال ميديا هذه رغم أنها شكّلت منطقةً آمنة جداً لجميع المهزوزين و المحبطين و الكذابين و المنافقين ليتظاهروا بعكس حقيقتهم و سمحت لهم بالاستشراف و التظاهر بالثقافة و النزاهة و الطهارة .. إلا أن الحياة الحقيقية تظل المنافس الأشرس لها ..
مهما توغّل إدمان الواقع الافتراضي بين الضعفاء لسهولة التجمُّل عليه.. يظل جمال الحياة الحقيقية هو الرابح و المكتسح و هو المعيار الأوقع للتواجد و الوجود ..
حتى من يلهثون وراء زيادة أعداد الأصدقاء أو المتابعين و يحاولون خلق شعبية أو شهرة .. جميعهم يدركون أن هذا وهم .. و أننا في الحياة الحقيقية لا نحتاج إلا لشخصين أو ثلاثة على الأكثر يكونون في دائرتنا المقرّبة جداً .. و الباقون جميعهم يظلون على مسافاتٍ متباعدة ما بين علاقات أسريّة أو مهنية أو صداقة سطحية أو معرفة مؤقتة .. و رغم ذلك يعتبرون الاهتمام بهم على السوشيال ميديا انعكاساً للاهتمام بهم في الحقيقة و هذا وهم ..
لذلك تجدون المتواجدين دائماً على السوشيال ميديا فاشلين جداً في حيواتهم و علاقاتهم و لديهم أمراض نفسية خطيرة جداً رغم المظاهر البرّاقة التي لا ينخدع فيها إلا البلهاء ..
في الحقيقة من يهتم فعلياً عليه أن يثبت اهتمامه في الواقع .. لذلك من يهتم بنا في الحقيقة هو الأجدر بقضاء الأوقات معه على حساب من يهتمون فقط في السوشيال ميديا .. و ليس العكس كما يفعل غالبية التعساء و الأغبياء ..
خلاصة القول .. الحياة الحقيقية هي الأولى بالاهتمام .. الكراهية المفرطة المنتشرة على السوشيال ميديا تقتل الروح و تعصف بالأحاسيس المرهفة بداخلنا حتى و إن لم نشترك في ممارستها ..
الاستسلام لمعايير تلك المجاميع المريضة من الحقودين و المتنمرين و الكذابين و المتظاهرين بغير حقيقتهم يشوه النفس و يجعلها خاضعة مستسلمة مذعورة على الدوام من احتمالية الوقوع فريسة لهذا العالم المنحط القذر ..
عيشوا حياتكم الحقيقية .. اختاروا من يرافقونكم فيها بقلوبكم و عقولكم .. استخدموا السوشيال ميديا فقط لنشر الخير و التفاؤل و السعادة و البهجة و الحب .. الجأوا إليها فقط عندما تعانون الوحدة أو الملل .. حاولوا دائماً أن تحولوا العلاقات الافتراضية المريحة إلى علاقات واقعية .. ثم عاودوا الانخراط في حياتكم الحقيقية برفقة من تستريحون بقربهم .. لأن هذه فقط هي الحقيقة .. و كل ما عاداها وهم .