كتب لزهر دخان
كتاب تصنيف شعراء السياسة للأديب لزهردخان
شمس الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن ثابت بن فرج (فرح) الأنصاري الكناني المصري الخامي الشافعي
أما منبوش القبر بفعل السياسة، أو الشاعر الذي وصلت السياسة إلى حد نبش قبره بعد وفاته . فهو ، إبن الكيزاني ويقع إسمه الكامل فيما يلي (شمس الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن ثابت بن فرج (فرح) الأنصاري الكناني المصري الخامي الشافعي) و الكلمة الأخيرة من إسمه الكامل هي السبب في نبش قبره . وهي طبعًا كلمة كبيرة عند المسلمين الذين إتهموه بالزندقة .فهي تعبر بالنسبة لهم على الإمامة المقدسة .التي لا بد من حمايتها من الزندقة . وقد أوصى إبن الكيساني بردمهِ بعد موتهِ جوار قبر الإمام الشافعي. وبعدما تم تنفيذ وصيته . تقدم نجم الدين الخبوشاني ، أخلص الناس آن ذاك للإمام الشافعي رحمه الله .ونبش قبر شمس الدين ونقل جثمانه إلى مقبرة أخرى .
شمس الدين الشاعر السياسي الذي يعنينا إسمه في هذا البحث توفي ( 9 ربيع الأول 562 هـ/10 فبراير 1196 م) بينما وللأسف لا نجد في كتب التاريخ تاريخ محدد ليوم ميلاده. ويعرف بإبن الكيزاني لآنه صانع كيزان .وهو كاتب ومُقرِئ وفقيه وأصولي وراوي حديث وواعظ وشاعر مصري عاش في القرن السادس الهجري.
ينسب هذا الرجل الكبير في مجال الشعر والأداب العربي إلى أرض مصر حيث (ولِدَ محمد بن إبراهيم بن ثابت في مدينة الفسطاط في مصر، وكانت نشأته فيها ) ولم يعش طوال عمره في مصر لآنه (ّ غادر مصر إلى العراق وتتلمذ هناك لدى أبي الحسن علي بن الحسين الموصلي) كما أنه لم يبقى في الموصل طويلاً ويرجح أنه ( دخل بغداد وزار بلاد الشام والحجاز.)ولم تقتصر مقدرته على الشعر واللغة لآنه أضاف للإجتهاده تعمقه (في علوم دينية عدة، فكان عالماً بالقراءات القرآنية والحديث النبوي، والفقه الإسلامي وأصول الفقه على المذهب الشافعي. ) وغزر إنتاجه وأصبح القرآن تاجه والحديث النبوي مشراح صدره وسر إبتهاجه و(ألَّف كتابين في الوعظ الديني. وكان من كبار المُتصوِّفة في زمنه) ومنه بدأت الطريقة التي أسسها في الإنتشار في ما حوله من أرض وهي طريقة عرفت (بالطريقة الكيزانية، نسبةً إليه) وتعتبر الكيزانية أولى الطرق الصوفية في مصر .وقد وجدت لها أتباع كانوا في غير قلة ( خصوصاً في نواحي مدينة بلبيس وإتسع إنتشارها حتى وصل إلى سواحل الشام.) ومن خلال الترجمات التي ترجمت له يظهر جليا إعتراف أصحاب الأقلام الذين كتبوا ما مثله :( ويتَّفق كل من ترجم لابن الكيزاني أنَّه كان زاهداً ورعاً تقياً) وقد برز لشمس الدين السيخاوي قول جاء فيه (كان كثير الإيثار، وكان له معمل يرسم القزازة، ويأكل من كسبه ويتصدَّق بالباقي، وكان يأتيه الطالب لبقرأ عليه فيجده جوعاناً فيطعمه، وعرياناً فيكسوه ويعطيه العمامة، حتى يجد في نعله شيئاً مقطوعاً فيخرزه بيده)
ثم بدأت حكاية عداوة وبغضاء بينه وبين نجم الدين الخبوشاني الذي إتهمه بالزندقة . وظهرت هذه التهمة في الأيام التي لم يظهر فيها باقي نجم الكزاني ،الذي كان قد قرر الإنعزال تكملة لباقي ما في روحهِ من زهدٍ، تاركاً للدنيا باقي ما في نفسه من أطماع .
ودارت على رؤوس الألسنة وفي أعماق الصدور وخارجها أحاديث منها ما شكله ومضمونه يكشف على أن الكزاني كان ( مُشبِّهاً ) وكان في روايات أخرى ( من أهل الحديث، ومهما كان من أمر عقيدته فهذا لم يمنعه من نيل مكانة مرموقةً لدى العامَّة والعلماء والأدباء والحكام على حدٍّ سواء.) وقد سمحت له محاسن الحظوظ بالفوز بلقاء مع القائد المسلم الكردي التاريخي ،صلاح الدين الأيوبي الذي إلتقى به في مصر قبل أن يحكمها.وكان قد إستكتبه جزءً من شعره.
وعندما رحمه الله بالموت نبشوا قبره ، وتوفي في ( مدينة القاهرة في شهر ربيع الأول من سنة 562 هـ) وتقول الأخبار أنه دُفِن حسب وصيته قرب ضريح الإمام الشافعي . ولم يقبل نجم الدين الخبوشاني أن يستمر الشافعي جاراً للشافعي . فنبش( قبره ونقل جثته إلى قبر آخر بعيد عن قبر الإمام الشافعي، وقد كان لهذه الحادثة يد في إشعال فتنة مذهبية بعد وفاة ابن الكيزاني. -1-2-3-4-5-6-7-)
وكانت للشاعر شمس الدين مجموعة من القصائد . بمعنى أنه جمع من الشعر ديوانه الذي فيه كتب في مجالات الزهد والوعظ .وكذلك لم ينسى نصيبه من الدنيا ،فقال ما أحله لنفسه من الغزل الجميل.(وهو شاعر مُكثِر نُسِبَ إليه ديوان شعر.-4-8-9-10-)
ومن المؤرخين من يتجاهلون من نسب الكيزاني كلمة الشافعي، فيكتبون إسمه من الكامل فيما يلي مثلا(محمَّد بن إبراهيم بن ثابت بن فرح الأنصاريُّ المصريُّ أبو عبد الله، المعروف بابن الكِيزاني) بينما هم لا يتجاهلون الإجتهاد في الوصول إلى معنى وأصل لقب كيزاني ( والكِيزاني نسبةٌ إلى عَمَلِ الكِيزان وبيعِها، وكان بعضُ أجداده يصنع ذلك، والكِيزان الأكواب التي تصنع للشُّرب، المفردُ كوزٌ.) بالعربي الدارج والفصحي اليوم تسمى الكؤوس أي الكيساني نسبة إلى كأس .والكيزاني من كيزان ، وهي جمع كؤوز بمعنى كؤوس.
أما معناه هو كرجل وإنسان ومسلم وعلم أديب فهو (أديبٌ شاعرٌ، وعابدٌ واعظٌ زاهدٌ.) وفي حكاية نبش قبره الكائن ( عند قبر الإمام الشَّافعي بالقرافة الصغرى ) أكبر دليل على أنه كان قد أتهم بالزندقة ،وحسد على مدرسته وطريقته الصوفية التي أسسها فنجحت. وأنجحت طلابها وروادها فخرج لها إدعاء ذاك العصر و(أتهمه نجمُ الدِّين الخبوشاني بالزَّندقة ) وقد إستشهد بالخطأ في قوله: إنَّ أفعالَ العباد قديمةٌ . ثمَّ إستفرد به وهو في قبره ميت أي لا يستطيع الرد عليه و( نَبَشَ قبرَه في أيام السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، فأخرجه، ودُفِنَ بمكان آخر في القرافة) وحول هذه الحادثة قيـل: إنَّ الخبوشاني لمَّا أراد نَبْشَه قال: لا يتَّفقُ مجاورة زنديق إلى صدِّيق. وأيضا قال صاحب النُّجوم الزاهرة: (لا يُلْتَفَتُ لقول الخبوشاني فيه؛ لأنَّهما أهلُ عصرٍ واحدٍ، وتهوُّرُ الخبوشاني معروفٌ)
بينما تشهد السيرة التي رويت حول الكِيزاني على كونه إستحق النجاح فنجت طريقته في التصوُّف . وهذا لآنه عاش بفضل الله ومنه عليه. وكان يملك لساناً في الوعظ عذبٌ. يخرج منه كلام فيه على القلوب تأثير . كما أنه كان شـاعرٌ حسنُ العبارة، مليحُ الإشـارة، ويمكنك ملاحظة أكثر من الجماليات التي وصفنا إذا إطلعت على ديوانه . وقد وصفَ العماد الأصبهانيُّ شعرَه وقال فيه ( فيه من المعنى الدَّقيق، واللَّفظِ الرَّشيق، والوزنِ الموافق، والوعظِ اللائق، والتَّذكير الرَّائع الرَّائق، والقافيةِ القافيةِ آثار الحِكَمِ … خال ٍمنَ التَّصنُّعِ)
ومن بين ما قاله من الغزل ما فيه التعفف الذي أملته عليه طريقته في التصوف. فتعفف وتصوف وتغزل في آن واحد . وهذا يعني أنه كان مسؤولا على من يربي. فأخرج شعوره بالحب تنبيهً وتنويراً للمقتدين به، كي يعتدلوا في الحياة ويبحروا بسرعة متوسطة تحفظ البحر والسفينة .
يا مَنْ يتيهُ على الزَّمان بحسـنِهِ أعطفْ على الصَّبِّ المَشْوقِ التَّائهِ
أضحى يخافُ على إحتراقِ فؤادِه أســفاً؛ لأنَّك منه في ســـــــــودائه
وفيما يلي ما نظمتهُ بدوري من الشعر شكراً وثناءً لشمس الدين على الرغم من أني لا أحب أن تكون الصُوفية بداية لإسلامٍ أو نهاية لآخر .
تصوف وتغزل كمن أحسن للحسن وبايع حبيبه وهوى بدون الفتن
أطفأ النار وأشعل شمــــــس الدين طريقة ونوراً للأمة والـــــوطن -11-
وإني أيضاً سعيد بإضافة رأي إلى من يرون ( شـعرُه في التصوُّف يستخلصُ القبول، ويتناول موضوعاتِ الغزلِ الصُّوفيِّ والوعظِ والزُّهدِ، وتُنَمِّي معانيه عاطفـةَ الحبِّ الإلهيِّ في النُّفوس، وتلامسُ الوجدانَ الرُّوحيَّ) وهو أيضا يظهر إخلاصا في التعليم وصدقا في الإمامة وزهدا في الزعامة ،ولهذا كله أعد شعره المتميز ( بسهولة اللَّفظ، وإستواء التَّراكيب، ووضوح القصد، وغزارة المعاني، وصدق العاطفة) ومن غزله الصُّوفيِّ قولُه:
إصْرِفُوا عنّي طَبِيبي وَدَعُوني وَحَبيبــي
عَلِّلوا قلبي بذكـــــرا هُ فقـــــــــــدْ زادَ
لا أُبالي بفَوَات النَّفْـ ـسِ ما دامَ نصـيبي
جَسَدي راضٍ بسُقْمي وَجُفُـونـي بنَحيبــي
ويحتوي شـعره الصُّوفيِّ على الكثير من التَّراكيب الرَّشـيقة والبحورِ الرَّواقص كعظيم قوله:
يا مُؤْنسـي بِذِكْرِهِ ومُوحشـي بهجـرهِ
ومَنْ فؤادي مُوقَفٌ لِنَهْيـِــهِ وأَمْـــــرِهِ
انظـرْ إلى مُعَذَّبٍ عـادمِ حُسْنِ صَبْرِهِ
غادَرَهُ جَوْرُ الهَوَى مُوَكَّـلاً بفكـــــــرهِ
وسُــقْمُهُ لـــعاذليهِ قائــــــــــمٌ بعـذرهِ
وفي الحكمةِ يقول رائقٌ، بقوله في آدابِ الصُّحبةِ وأخلاق الصَّاحب:
تَــــخَيَّرْ لنفسكَ من تصطفيــهِ ولا تُدْنِيَــــــــنَّ إِليـكَ اللِّئام
فليس الصَّدِيق صديقَ الرَّخاء ولكنْ إذا قَـــعَدَ الدهـرُ قامـا
تنـامُ وهمَّتـُــه فــــــــــي الذي َهُمُّـكَ لا يَسْـتَلِذُّ المــــنـامـا
وكمْ ضــــــاحكٍ لك أحشـــاؤُه تَمنَّاك أَن لو لَقِيتَ الحِمـامـا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
-1-عمر فروخ، تاريخ الأدب العربي: من مطلع القرن الخامس الهجري إلى الفتح العثماني. الجزء الثالث. دار العلم للملايين - بيروت. الطبعة الرابعة - 1981، ص. 324-327
-2-خير الدين الزركلي. الأعلام. دار العلم للملايين - بيروت. الطبعة الخامسة - 2002. ج. 5، ص. 296
-3-عمر رضا كحالة، معجم المؤلفين. مكتبة المثنى، دار إحياء التراث العربي - بيروت. ج. 8، ص. 195
-4- اختيار, أسامة. "ابن الكيزاني". الموسوعة العربية (باللغة العربية). مؤرشف من الأصل في 5 مايو 2020. اطلع عليه بتاريخ 11 يونيو 2017.
5-عفيف عبد الرحمن، مُعجم الشعراء العباسيين. جروس برس - طرابلس. دار صادر - بيروت. الطبعة الأولى - 2000، ص. 388
-6-علي صافي حسن، ابن الكيزاني: الشاعر الصوفي المصري. دار المعارف - القاهرة. رقم الطبعة وتاريخها غير مدوَّن. ص. 31-77
-7-خالد كبير علال، التعصب المذهبي في التاريخ الإسلامي. كتاب إلكتروني من نشر "k-tab.net". نُشِر على الويب في 2015. ص. 57-58
-8-عمر فروخ، ص. 325
-9-خير الدين الزركلي، ج. 5، ص. 296
-10-عمر رضا كحالة، ج. 8، ص. 195
-11- شعر من تأليف الكاتب لإثراء هذا الكتاب