:
متابعة محمود علوان
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على البشير النذير السراج المنير الصادق الوعد الأمين وعلى آله وصحبه حق قدره ومقداره العظيم، أما بعد:
فإن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المُحرَّم الذي يُعَدّ أحد الأشهر الحُرُم التي ذكرها الله -تعالى- في قوله: "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهورِ عِندَ اللَّـهِ اثنا عَشَرَ شَهرًا في كِتابِ اللَّـهِ يَومَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ مِنها أَربَعَةٌ حُرُمٌ". سورة التوبة .
فعندما قدِمَ رسول -صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم- إلى المدينة المُنوَّرة، وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، وعندما سألهم عن سبب صيامهم أجابوا إنّه يومٌ نجّى الله -تعالى- فيه موسى -عليه السلام- وقومه وأغرق فرعون وجنده، وكان موسى -عليه السلام- يصومه؛ شُكراً لله -تعالى-؛ فصامه الرسول -صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم-، وأمرَ بصيامه، فقال للصحابة: (أنتُمْ أحَقُّ بمُوسَى منهمْ فَصُومُوا).
وقد ورد عن ابن عبّاس -رضي الله تعالى عنهما- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال في ذلك: (فأنَا أحَقُّ بمُوسَى مِنكُمْ، فَصَامَهُ، وأَمَرَ بصِيَامِهِ).
وقد ذُكِرت قصّة نجاة موسى -عليه الصلاة والسلام-، وإغراق فرعون في القرآن الكريم، في قوله -تعالى-: "فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ"، وذلك عندما جَحَد فرعون بالله -تعالى-، وتكبَّر، فقرَّر موسى -عليه السلام- الخروج مع قومه؛ فتبعهم فرعون إلى أن وصلوا البحرَ؛ فأمر الله تعالى- موسى -عليه السلام- أن يضرب البحرَ بعصاه لينقسم إلى قسمَين، فيتمكّن موسى وقومه من العبور، إلّا أنّ فرعون لم يَتّعِظ مِمّا رأى، واستمرّ في تكبُّره، ولَحِقَ هو وجنوده بموسى -عليه السلام-، وقومه، فأغرقه الله -تعالى- هو وجنوده، ونجَّى موسى -عليه السلام-، ومَن آمن به.
ما هو فضل صيام يوم عاشوراء:
===================
المسلم يتحصل على فضائل عظيمة عند صيام يوم عاشوراء، ومنها ما يلي:
1- تكفير ذنوب السنة الماضية؛ فقد ورد عن أبي قتادة -رضي الله عنه- عن الرسول -صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم-، أنّه قال: (سُئِلَ عن صَوْمِ يَومِ عَاشُورَاءَ؟ فَقالَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ).
2- . اتِّباع سُنّة رسول الله -صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم- ؛ فقد ورد عن ابن عباس -رضي الله عنه- عندما سُئِلَ عن يوم عاشوراء أنّه قال: (ما عَلِمْتُ أنَّ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- صَامَ يَوْمًا يَطْلُبُ فَضْلَهُ علَى الأيَّامِ إلَّا هذا اليومَ).
3- الاقتداء بالأنبياء عليهم السّلام، كنبيّ الله موسى -عليه السلام-، وتحقيق شُكر الله -تعالى- على نِعمته وفضله بنجاة المؤمنين، وإهلاك الجاحدين في ذلك اليوم العظيم.
4- السَّير على نَهج الصحابة -رضوان الله عليهم- في صيام يوم عاشوراء، وتصويمهم أولادهم فيه؛ فقد ورد عن الربيع بنت عفراء -رضي الله عنها- أنّها قالت: (أَرْسَلَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إلى قُرَى الأنْصَارِ، الَّتي حَوْلَ المَدِينَةِ: مَن كانَ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَن كانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَومِهِ. فَكُنَّا، بَعْدَ ذلكَ نَصُومُهُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ منهمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَنَذْهَبُ إلى المَسْجِدِ، فَنَجْعَلُ لهمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ علَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إيَّاهُ عِنْدَ الإفْطَارِ).
حُكم صيام عاشوراء:
=============
يُعَدّ صيام يومَي عاشوراء وتاسوعاء سُنَّة باتِّفاق الفقهاء؛ فقد قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (هذا يَوْمُ عَاشُورَاءَ ولَمْ يَكْتُبِ اللَّهُ علَيْكُم صِيَامَهُ، وأَنَا صَائِمٌ، فمَن شَاءَ، فَلْيَصُمْ ومَن شَاءَ، فَلْيُفْطِرْ)، وقد ذهب الأصوليّون، وتَقيّ الدين من الحنابلة إلى أنّ صيام يوم عاشوراء كان فَرضاً في بداية الإسلام، وعندما فُرِضَ رمضان أصبح صيامه سُنَّة، وقد قال النبيّ -صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم-: (لَئِنْ بَقِيتُ إلى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ)؛ دلالة على سُنّية صيام التاسع مع العاشر، ويجوز إفراد صيام يوم عاشوراء دون تاسوعاء.
وتجدر الإشارة إلى أنّه يُستحَبّ لِمَن يصوم عاشوراء أن يصوم معه التاسع من مُحرَّم، أو الحادي عشر منه؛ وذلك لمُخالفة اليهود؛ لأنّهم كانوا يصومون العاشر وحده، كما أنّ صيام يوم قَبله، أو يوم بَعده يضمن للصائم الاحتراز من الوقوع في الخطأ الذي يمكن أن يحدث عند تحديد أوّل الشهر القمريّ.
وفي الختام نسأل الله تعالى أن يحفظ مصر وأهلها وأن يجعلها في أمانه وضمانه، وكل عام وأنتم بخير وصحة وسعادة وتقبل الله منا ومنكم صالح الاعمال.
بقلم..الدكتور عبد القادر سليم مدير عام الدعوة بأوقاف كفرالشيخ.